تعبير الرؤيا يرجع فيه إلى معرفة أشياء تختص بالرائي وما يتصل به، وكذا معرفة القرائن والأحوال، ومعرفة معاني الكلمات وما يتصل بها لغة وشرعا وما يعبر به عنها، وهذه الأمور ونحوها يختص بها بعض الناس لانشغالهم بمعرفتها وما يدور حولها، فعلى هذا لا يجوز لكل أحد أن يعبر الرؤى، فقد يفهم فهما بعيدا، وقد يأخذ التعبير من اللفظ لا من المعنى فيخطئ في ذلك. عيادة المريض سنة مؤكدة، وقد رأى بعض العلماء وجوبها. قال البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض. ولكن الجمهور على أنها مندوبة أو فرض على الكفاية، وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" رواه مسلم. (الخرفة: اجتناء ثمر الجنة) يجوز أن يعلم القبر بعلامات يعرف بها، فقد ثبت أنه صلى الله عليه و سلم لما دفن عثمان بن مظعون جعل عند قبره حجرا وقال: "أعرف به قبر أخي، وأدفن إليه من مات من أهلي". فيجوز أن يجعل علامة كحجر أو لبنة أو خشبة أو حديدة أو نحو ذلك، ليميز بها القبر عن غيره حتى يزوره ويعرفه.أما أن يكتب عليه فلا يجوز؛ لأنه قد نهي أن يكتب على القبور حتى ولو اسمه، وكذلك نهي أن يرفع رفعا زائدا عن غيره. إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا إذا كان عقل المريض معه وفهمه وإدراكه فإن الأوامر والأحكام الشرعية تنطبق عليه، ويكلف بالصلاة والصوم والطهارة ونحوها بحسب القدرة، ويجوز مساعدته على الطهارة إن قدر على غسل أعضائه، فإن عجز عن استعمال الماء في أعضائه وشق غسلها عليه عدل إلى التيمم، فإن عجز فإن المرافق يقوم بذلك بأن يضرب التراب فيمسح وجهه وكفيه مع النية.
الصيام آداب وأحكام
54087 مشاهدة
الخاتمة


وداعا يا شهر التوبة ورد في الحديث أن صيام رمضان سبب لمغفرة الذنوب وكذا قيامه، وقيام ليلة القدر، والصحيح أن المغفرة تختص بالصغائر، لقوله صلى الله عليه وسلم: الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفرات لما بينهن، إذا اجتنبت الكبائر رواه مسلم والجمهور على أن الكبائر لا بد لها من توبة.
ثم إن العبد بعد فراق رمضان وقد كُفِّرت عنه سيئاته، يجب عليه أن يحافظ على الصالحات، ويحفظ نفسه عن المحرمات، وتظهر عليه آثار هذه العبادات في بقية حياته، فذلك من علامات قبول صيامه وقيامه وقرباته، فإذا كان بعد رمضان يحب الصلوات ويحافظ على الجمع والجماعات، ويكثر من نوافل الصلاة، ويصلي من الليل ما قدر له، ويُعِّود نفسه على الصيام تطوعا ، ويكثر من ذكر الله تعالى ودعائه واستغفاره، وتلاوة القرآن الكريم وتدبره وتعقله، ويتعاهد الصدقة، ويصل أرحامه ويبر أبويه، ويؤدي ما عليه من الحقوق لربه وللعباد، ويحفظ نفسه ويصونها عن الآثام وأنواع الجرائم، وعن جميع المعاصي وتنفر منها نفسه، ويستحضر دائما عظمة ربه ومراقبته وهيبته في كل حال، إذا كان كذلك بعد رمضان، فإنه دليل قبول صيامه وقيامه، وتأثره بما عمل في رمضان من الصالحات والحسنات.
ومع ذلك فإن صفة الصالحين وعباد الله المتقين الحزن والأسى على تصرم الأيام الشريفة، والليالي الفاضلة، كليالي رمضان، وهذه صفة السلف الصالح وصدر هذه الأمة رحمهم الله تعالى، فلقد يحزنون لانصراف رمضان، ومع ذلك يدأبو ن في ذكره، فيدعون الله ستة أشهر أن يتقبله منهم، ثم يدعونه ستة أشهر أن يبلغهم رمضان، فتكون سنتهم كلها في ذكر هذا الشهر، فهو دليل على عظم موقعه في نفوسهم، ويقول قائلهم:
سـلام من الرحمن كل أوان علـى خـير شهر قـد مضى وزمان
ســلام علــى شــهر الصيام فإنه أمان مـن الرحمن كل أمــان
لئــن فنيــت أيــامك الغـر بغتة فما الحزن من قلبي عليــك بفــان
لقـد ذهبت أيامه وما أطعتــم .
وكـتبت عليكم فيــه آثامـه ومـا أضعتم.
وكـأنكم بالمشــمرين وقــد وصلـوا وانقطعتـم.
أتــرى مـا هـذا التـوبيخ لكـم؟!
أو ما سمعتم قلوب المتقين إلى هذا الشهر تحن؟!
ومن ألم فراقه تئــن؟
كـيف لا تجــري للمـؤمن علـى فراقـه دمـوع
وهو لا يـدري هـل بقي له في عمره إليه رجوع
شعر:
تذكر أياما مضــت ولياليـا خـلت فجرت من ذكـرهن دمـوع
أيـن حرق المجتهدين في نهــاره؟!
أيـن قلــق المتهجـدين فـي أسحاره؟!
فكيف حال من خسر فـي أيامـه ولياليـه؟!
ماذا ينفع المفرط فيه بكاؤه وقد عظمت فيه مصيبته وجل عزاؤه؟!!
كم نصح المسكين فمـا قبــل النصــح؟!
كم دعـي إلى المصالحة فما أجاب إلى الصلح؟!
كم شاهد الواصلين فيه وهو متباعد؟!
كم مرت به زمـر السـائرين وهو قــاعد؟!
حتى إذا ضاع الوقت وخاف المقت ندم على التفريط حين لا ينفع الندم.
وطلب الاستدراك في وقـت العــدم.
دموع المحــبين تــدفق.
قلوبهم من ألم الفراق تشـقق.
عسى وقفة للوداع تطفي من نار الشــوق مــا أحــرق.
عسى توبة ســاعة وإقلاع ترفــو مــن الصيــام مــا تخــرق.
عسـى منقطـع عـن ركـب المقبــولين يلحــق.
عسى أسـير الأوزار يطلق.
عسـى مـن اسـتوجب النار يعتــق .
لا شك أن شهر رمضان أفضل الشهور، فقد رفع الله قدره وشرفه على غيره، وجعله موسما للخيرات، وجعل صيامه وقيامه سببا لمغفرة الذنوب وعتق الرقاب من النار،فتح فيه أبوابه للطالبين، ورغب في ثوابه المتقين،فالظافر من اغتنم أوقاته، واستغل ساعاته، والخاسر من فرط في أيامه حتى فاته، جعله الله مطهرا من الذنوب وساترا للعيوب وعامرا للقلوب،فيه تعمر المساجد بالقرآن والذكر والدعاء والتهجد، وتشرق فيها الأنوار وتستنير القلوب .